بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 أغسطس 2011

وابتسمت .. ثم رحلت

وابتسمت .. ثم رحلت


كانت فتاة صغيرة ..

أخت بين سبعة إخوة وأخوات ..
وحيدة بين البشر ..

لا تستطيع أن تفوز بمحبة أحدٍ من حولها .. حتى أقرب الناس إليها ..
لا لشيء سوى أنها تجهل الطريقة .. فهي منطوية بطبعها ..

بالرغم من أنها كانت تحب الجميع .. لكنها لا تستطيع أن توصل مشاعرها لمَنْ تحبهم .. ولا أن تعبّر عنها ..

كانت تعيش في منزلها بين أخواتها وأمها وأبيها .. لم تكن تحتاج إلى أي شيء سوى الحنان والحب .. ولم تطلب الكثير .. فقط حبهم ..

لكن للأسف .. باءت كل محاولاتها بالفشل .. فقد كانت تجهل الطريق لقلوبهم .. وكلما حاولت .. اصطدمت بالواقع .. وكثيرًا ما يئست من حياتها معهم .. لكن إيمانها بالله سبحانه تعالى كان هو ما يثبتها ويصبرها على ما هي فيه ..

ما زاد الأمر سوءً أنهم لم يلحظوا الأمر .. لم يتخيلوا للحظة ان انشغالهم بأمور الحياة ومشاكلها .. قد اوقعهم في أزمة لم تخطر لهم ببال ..

فقد أهملوها دون أن يدروا أو يقصدوا ..

وهلت أيام الشهر الفضيل ..
الوضع كما هو .. لكنها كانت منشغلة عن كل ذلك بالتقرب إلى الله عز وجل .. تدعوه وتتقرب منه وتلتمس رضاه ..
لكنها كانت تعلم أن رضا الأهل وخاصةً أمها من أهم ما يجب أن تحصل عليه ليرضى الله سبحانه عنها ..

وفي إحدى المرات .. كررت محاولة التقرب منهم .. وخاصةً من أمها .. لكنها لم تفهمها .. لم تشعر بها .. لم تستوعب ما بداخلها .. فصدتها .. أجل صدتها ..

الأم ليست قاسية .. لكنها لم تفهم .. ولم تستوعب ابنتها وتحتويها .. لم تفهم أن ذلك قد يؤذيها هي نفسها .. وقد يُفقدها ابنتها ..

رجعت الفتاة المسكينة غرفتها تبكي من داخلها .. تتألم من أعماقها .. وكان الوقت متأخرًا .. قبل الفجر بوقت بسيط .. أمسكت بالمصحف الشريف وبدأت تقرأ .. لكنها بداخلها مازالت تتألم .. ودقات قلبها تدعو ربها بأنها يرحمها مما هي فيه .. تشعر أن الله سبحانه راضٍ عنها .. لكنها لا تشعر بالراحة .. فهي تتمنى رضا أمها حتى تضمن رضا الله سبحانه ..

كانت تشعر بالخوف .. فهي في أيام مباركة .. يلتمس فيها الجميع رضا الله عز وجل .. وتتمنى أن تكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم .. ولكن كيف ؟! فهى مازالت تجهل الطريق ..

ارتفع آذان الفجر .. وارتفع دعاء قلبها لعنان السماء .. تدعو الله سبحانه أن يوفقها لما يحبه ويرضاه .. وأغلقت المصحف الشريف وقبلته .. ثم قامت لصلاة الفجر .. وارتفعت يدها بالدعاء ..

في اليوم التالي .. تفاجئت بصراخ أمها يزلزل أركان المنزل .. ركضت مسرعة نحو غرفتها .. لتجدها ملقاة على الأرض .. بلا حراك .. والفتاة المسكينة يكاد قلبها يتوقف من خوفها على أمها ..

كانت وحدها مع أمها في المنزل .. لا تعرف كيف تتصرف .. إلى أن هداها الله لأن تطرق باب جارتهم الطبيبية .. والتي أتت مسرعة لتسعف الأم .. وأمرت بالراحة التامة وأدوية كثيرة وتعليمات أكثر ..

وما كان من الفتاة المسكينة إلا أن تنفذ كل ما قالته الطبيبة .. وبلا أدنى تقصير .. بل وكانت وحدها تقوم بكل أعمال المنزل بدلاً من أمها .. فأخواتها جميعًا منهمكون في أعمالهم وهي وحدها التي لا تعمل ..

في الوقت نفسه .. كانت تواظب على الصلاة وقراءة القرآن .. ومازالت تدعو ..

ومرت الأيام .. والفتاة غارقة في كل ذلك .. حتى بدأت أمها تستفيق من مرضها شيئًا فشيئًا .. وبدأت تتحرك في المنزل قليلاً .. لتتفاجئ الأم بأن ابنتها لم تترك أي شيء إلا وقامت به ..

وبدأت تدعو لها .. تدعو لابنتها .. والفتاة تسمع ولا تصدق ..
إنها أمها .. تدعو لها .. في هذه الأيام المباركة ..

دخلت الفتاة غرفتها وجلست تقرأ القرآن .. ثم أخذت تصلي وتحمد الله وتدعوه سبحانه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ..
ظلت هكذا لساعات طويلة .. لم تشعر بطولها من كثرة الانهماك ..

إلى أن علا آذان الفجر .. شعرت بسعادة غامرة .. وقامت لتصلي .. ثم عادت لتدعو الله سبحانه من جديد .. حتى شروق الشمس .. وقامت لتصلي .. ثم اتجهت لفراشها .. لتنام .. منهكة من كثرة التعب ..

لكنها فجأة ابتسمت .. ابتسامة رائعة .. لا مثيل لها ..

كانت الابتسامة الأخيرة ..

أجل الأخيرة ..

ورحلت عن الدنيا


تُرى .. لماذا ابتسمت ؟!

لقد كانت ليلة القدر .. كانت آخر لياليها في الدنيا ..

فهل منكم مَنْ يستطيع أن يخبرنا لماذا ابتسمت ؟!


 ***

أَتَمَنَّىْ أَنْ تُعْجِبَكُمْ كَلِمَاتِيْ
وَلَكُمُ دَوْما خَالِصٍ تَحِيَّاتِيْ


الْقِيْثَارَةْ
سُهَى يَحْيَىَ

هناك 3 تعليقات:

  1. وابتسمت ثم رحلت...عنوان جميل يجذب الانتباه الى خاطرة من خواطر القيثارة...وأقل ما يوصف عنها انها رائعة..فلقد اتحفنا قلمكم بابداع خيالكم (وان كنت اشعر بانه واقع)
    اسلوب سلس رقيق جعلنا نتابع هذه(القصة القصيرة)بشغف لمعرفة ما تنتهى اليه..تلك النهاية العبقرية والتى اغرقت عيناى بالدموع .............شكرا لكم

    مع خالص تحياتى:حمادة العويضى

    ردحذف
  2. كنت اقرا قصتك وكنت اتوقع موت البنت لكنك عزفتى لحن قيثاره اخر لا ادرى تخيلت من نهايه القصه ان الام ماتت وهى راضيه عن ابنتها وهذة الابتسامه هى دليل رضاها ...وتوقعت للحظات ان الابنه ايظا لم تفهم والدتها يوما ولذلك كانت تلك المسافه بينهما ...اشكرك جدا عزف منفرد رائع على قيثاره الكلمات ..

    ردحذف
  3. مبدعة انت بكلماتك صادقة بإحساسك أنت زهرة تنشر حبا بتفتحها كل صباح واصلي بإبهارنا بكلماتك الجميلة.

    ردحذف